دار المنشورات العالمية

بطل من لحم و دم

دار المنشورات العالمية، موسى نجيب موسى، بطل من لحم و دم، قصة فيها حكمة وعبرة، أجمل القصص، أفضل القصص، أحلى القصص، قصص مفيدة، قصص مؤثرة، قصص فيها عبرة، قصص فيها حكمة، قصص عربية، قصص للكبار

بطل من لحم و دم

قصة فيها حكمة وعبرة

بقلم:

موسى نجيب موسى

لأوَّل مرَّة يحدث معي هذا؛ فقَد تمردت علىّ القصة الجديدة التي أحاول أن أكتبها و لم تكتف بذلك بل حرضت بطلها على عصياني و عدم طاعتي فهددتها بعدم كتابتها و حتى لو كتبتها لن أجعلها ترى النور؛ فأنا لن أرسلها إلى أيّ مجلة أو صحيفة أو حتى أضمها لكتابي الجديد الذي سيصدر قريباً عن إحدى دور النشر الكبيرة في القاهرة…

تآمرَ معها البطل حتى يدخلاني في دوّامة لا مخرج لي منها من شد الأعصاب و التوتر و الإرهاق و التشتت…

حاولت أن استميل بطلي لكي يقف بجواري و محاولة تذكيره بأنه لم يعرفها إلا من دقائق معدودة بينما يعرفني أنا على مدى العشرات و العشرات من القصص التي لبّيت له فيها كل ما طلبه مني و لم أبخل عليه بشيء…

وجدته ينظر لي نظرة استحقار و اشمئزاز و تركني تنهشني الهلاوس و الأفكار الشريرة و حتى محاولتي المستميتة و الأخيرة لإعادته مرَّةً أخرى لسجن الكلمات و الورق في كتابي الأخير (حيث أنني أعلم تماماً كم يكره الحبس و خاصّة لو كان انفرادياً في كتاب طويل عريض)، باءَت هذه المحاولة بالفشل الذريع حين هرب مرَّةً أخرى من خلال فتحة صغيرة توجد أسفل صورتي التي تملأ خلفيّة الغلاف حيث يتركها الناشر حتى تكون لكتبه علامة مميّزة يعرفها بها القارئ.

هكذا كان يقول له عقله الذي حبيَ على سُلّم التعليم حتى وصل إلى السنة الثانية من المرحلة الابتدائية و سقطَ بعدها صريعاً غير مأسوفٍ عليه.

بعدَ أن هربَ لم يجد شيئاً يفعله سوى التسكّع على “زهرة البستان ” و “الحرية “و “المنظر الجميل” يتسوَّل من أصدقائي الأدباء ثمن لقمته و كوب الشاي لكنّهم أعرضوا عنه عندما عَلِموا بما فعله معي…

لم يجد بُدّاً من البحث عنّي؛ فبحثَ عنّي في كل مكان توقّعَ أن يجدني فيه، لكنّه لم يجدني!

لم يتسرّب اليأس إلى قلبه؛ فما زالَ هناك مكان واحد فقط لم يذهب إليه لكي يجدني حتى يعود لأيام العز و النعيم معي و التي كنت أكافئه فيها كلما ساعدني على إنجاز قصّة جديدة…

في “الجريون”، وجدته أمامي بملابس رثة و وجه متسخ و أظافر طويلة لم يعتنِ بها منذ أن هربَ منّي…

لم أعره أدنى اهتمام، لكنّه كعادته السمجة أخذ يتطفّل عَليَّ و طلبَ لنفسه زجاجةَ بيرة على حسابي الخاص و بينما هو يشرب بنهَمٍ أخذَ يعدّد لي الحجج و الأعذار حتى يقنعني بما فعله معي أو حتى لماذا فعل هذا، كلّ كلامه كان يقف عند الحافة الخارجية لأذني التي تلفظه لكي يتناثر في الهواء المختنق بدخان رُوَّاد (الجريون) الذين لا يكفون عن التدخين…

ظلَّ يراوغني و يراوغني و أنا ثابتٌ على موقفي منه لا أتزحزح مطلقاً حتى نفد صبره و علا صوته و عندما هَمَّ برفع يده في الهواء لكي يهوي بها على خدي اِلتفَ حولنا رُوّاد (الجريون) في محاولة لتهدئه الموقف…

صعبَت عَليَّ نفسي جدّاً و أخذت من بين دموعي التي اغرورقت بها عيناي أعدّد خيراتي عليه و بركاتي التي لا تحصى و طلباته الكثيرة التي لا تنتهي…

فعندما طلبَ مني أن يحب لم أتوانَ عن تنفيذ طلبه فجعلته يحب بإرادته حتى غرق في بحرٍ من العسل و الأحلام و لكنّي أعترف بأننّي قسوتُ عليه قليلاً حيث أنني جعلتُ مَن يحبها لا تحبه لكن لم يكن قصدي من ذلك تعذيبي له أو زيادة أحزانه التي حرقت قلبه و مقلتيه بل كان ظناً مني أنَّ الحب الحقيقي لا يكون إلا إذا اكتوى المحبوب بنار الحبّ المقدّسة و احترق بها دون أن تشعر به المحبوبة و أيضاً حتّى لا تحبه البطلة و تنتهي القصّة بالنهاية التقليدية التي سأمَ منها الناس كثيراً فحاولتُ من خلال ذلك أن أكسر حلقات الملل التي ما أن يخرج الناس منها حتى يدخلوا في غيرها في سلسلة لانهائية من الحلقات و كذلك لأني لا أميل إلى مناصرة بطلات أعمالي فدائماً أحب أن أراهنَّ في محنة بل أزيد المحنة إحكاماً عليهنَّ و أوقعهنَّ في مورطات كثيرة و أتلذَّذ بضغط الظروف و الحياة عليهنَّ و أتلذَّذ أكثر و أكثر حين يصرخن و يولولن و يحاولن الاستنجاد بي للخلاص مما هُنَّ فيه لكني دائماً أنتشي لهذا الإحساس الرائع أن تستنجد أنثى بي و تحاول أن تلوذ بحضنٍ دافئ لكنّى أخذلها، و الحقيقة أنا لا أعرف لهذا الإحساس تفسيراً محدّداً…

  • هل من قسوة أمي الكثيرة عَليَّ و ربطها الدائم لي في رجل الترابيزة و سقوطها فوقيَ بجسدها الضخم و تفجّر الدّماء مِن فخذي إثرَ قرصها المتوالي لي؟!!

لا أعرف!!

  • أَمْ مِن مُدَرِّسة العلوم التي كانت تدرّس لي في السنة الثانية من المرحلة الإعدادية و كانت إلى جانب جمالها الملفت للنظر تصرّ كل يوم على طبع شفاهها الساخنة على خدي المتورم حتى و لو لم يكن في جدولنا أيّ حصّة لها في هذا اليوم و قد تركتني فجأةً و ماتت دون أن تستأذن منّي أو حتى تعطيني قُبلةً أخيرةً أحيا على ذكراها ما تبقّى مِن عمري بدلاً من ذلك الهوس الذي أصابني عندما كنتُ أحاول أن أقيس شفايفي على آثار شفايفها المتناثرة في كل مكان على خدودي؟!!

لا أعرف!!

  • أَمْ مِن البنت الوحيدة التي أحببتها بكل مشاعري البكر التي تولّدت مع بداية التحاقي بالجامعة و باعتها هي بثمنٍ بخسٍ جدّاً لعدوّي اللدود الذي لا أحبّه و لا يحبّني؟!!

لا أعرف!!

  • أَمْ تلكَ المرأة الساقطة التي اصطحبني لها صديقٌ لي كان يرغب أن يُصبحَ قِسّاً حتى يتأكد مِن رجولتي التي ضجر من كثرة حديثي له عنها و كانت تمارس معنا الجنس بكلّ عنفوانه و آهاته في الطابق الأوّل لمنزلها بينما كان زوجها ينام في الطابق الثاني؟!!

فقد كُنتُ أحتقرها كثيراً و خاصّةً بعد أن عَلمتُ أنها احترفَت المهنة و توسّعت في نشاطها بعد أن ماتَ زوجها مقهوراً منها و مِن أفعالها.

  • أريدُ أن أمارسَ رجولتي!

ذكّرته أيضاً بتلك المقولة التي صعقتني حينما قالها لي فأنا كنتُ أتصوَّر أنه رجل محافظ و متدين فقد حاولت إغراءَه كثيراً في قصصي السابقة لكنّه لم يكن يريد أن يفعل شيئاً و كان يتعفّف عَليَّ و يترفّع على السقوط في مستنقع الرذيلة و كان يعايرني كثيراً بأنه ما زال يحافظ على نفسه طاهراً بكراً بينما أنا غارق في بحيرة عميقة جدّاً ممتلئة بماءٍ كثيرٍ من الساقطات التي عرفتهنَّ في حياتي، و حتى عندما حاولت أن أوقعه في الشر بإحدى حيلي القصصيّة حتى يكف عن معايرتي فقد جعلته ينفرد بإحدى الجميلات التي يذهب بياضهنَّ بنور العيون مع العقول و تركته معها في حجرة نومي الخاصّة و هي عارية تماماً خالية من أيّ شعر في أيّ منطقة من جسدها حتى رأسها جعلتها تحسرها بغطاءٍ جميل حتى تكون أكثر جمالاً و إغراءً إلا أنَّ الذي فعله أذهلني حقاً فقَد كنت أتمنّى أن تنجح حيلتي لكنه وضعَ ذيل جلبابه في فمه و فَرَّ هارباً و ظلَّ مختفياً عني مدَّة طويلة حتى أخرجته في قصّة أخرى حيث كان خادماً لراهبٍ ورع يحب الله كثيراً (قصتي سِبطُ الراهب).

  • أريد أن أمارس رجولتي و اختبار فحولتي.

ذكّرته أيضاً بتكراره لطلبه الغريب هذا و إلحاحه الشديد عَليَّ الذي اِضطرَّني تحتَ ضغطه الشديد أن ألبّي له الطلب فأخذته من يده و ذهبت به إلى تلك المرأة المحترفة التي عرَّفني بها صديقي ذلك الذي كان يريد أن يُصبحَ قِسّاً…

تركته معها حتى تعلمه فنون الكار و تدربه على أساليب المعاملة الخاصّة للمرأة فألقته لإحدى تلميذاتها بينما تفرّغت هي في محاولة يائسة منها لاستعادة الماضي الجميل كما كانت تقول أو حتى استعادة بعضه لكن كل محاولاتها ذهبت سُدىً عندما تأكّدت أنني لن أستطيع أن أشبعها كما كنتُ أفعل سابقاً….

فرغَ مِن سكب ما تبقّى من الزجاجة التي طلبها منذ قليل في جوفه ثمَّ تجشأ في وجهي برائحةٍ كريهةٍ و لمعت عيناه ببريقٍ غريبٍ و قال لي:

  • اُطلب لي زجاجةً أخرى.

طلبتها له دون مناقشة و بعد أن أخذها من النادل شرب جرعة طويلة ثمَّ عاد يقول لي:

  • لا تعرف وقتها أو حتى بعدها روعة الإحساس الذي شعرت به، فوقتها عرفتُ و عن يقين بالغ بأنني رجل و ليس كذلك بل من الممكن أن تتمناه أي أنثى؛ فأنت دائماً كنت تحبسني في قصص الحب و الرومانسية و الأحلام و التهويمات و الخيال و العالم الروحي، يا آه!!! كم كنتَ قاسياً عَليَّ يا إلهيَ الخاص.

بالفعل كان عتابه في محلّه فقد كنتُ أعتقد أنَّ الفنّ يجب أن يبتعد عن الغرائز و إثارتها و يجب أن يسمو بالإنسان إلى أعلى مراتب الشفافية و النقاء و الطهر.

أيقظني من نوبة التيه التي تهاجمني كلَّ فترة و ضحك ضحكةً عاليةً أثارت فضول رُوَّاد (الجريون) و أخذ يعدّد إليَّ هُوَ الآخر خيراته عَليَّ و بركاته التي لا تحصى و طلباتي الكثيرة التي لا تنتهي؛ فقَد ذكّرني بالفترة التي أعقبَت تجربته لرجولته و فحولته؛ فقَد كانت من أخصب فترات حياتي الإبداعية و كان طَيّعاً لي فيها جدَّاً فكتبتُ العديد من القصص التي حصدَت الكثيرَ مِن إعجاب النقاد على مختلف مشاربهم و حصدَت أيضاً الكثير من الجوائز التي حرَّكت قليلاً الجمود المادي الذي كنتُ أعاني منه في هذه الفترة و كذلكَ أعادت لي الثقة التي افتقدتها لكفري بالكتابة و جدواها في مجتمع يغرق في مستنقع الأميّة الموحش..

لكزته في كتفه الأيسر حتى يفيق و يسمعني جيّداً:

  • أنتَ لا تستحق أن تكون بطلي بعد اليوم و سوف أقتلك في أقرب قصّة سأكتبها و لن أقيمك مرَّةً أخرى و لتذهَب إلى الجحيم.

جحظت عيناه و تابعَ كلامي باهتمامٍ شديدٍ؛ فحياته أصبحت مهدَّدةً و تقف على حافة سن قلمي…

إن شئتُ أن أفعلَ ما هدّدته به…

هُوَ يعلم تماماً بأني أستطيع أن أفعل ذلك بل و أكثر من ذلك أيضاً أستطيع أن أفعله.

  • أن تقارن نفسك بي و أن تضعني معك على كفّة ميزان واحد فهذا المستحيل بعينه، مَن أنت؟
  • أنا منك، جزءٌ منك، مِن تكوينك، مِن وجودك.
  • لكنّي لستُ دَنِساً، و أنتَ دَنَّسَتَ نفسك.
  • أَفِق؛ و تذكّر ما قلته لك منذ قليل.
  • لقد تبتُ إلى الله و عدتُ إلى تعاليمه و أنا واثقٌ أنه سيقبل توبتي.
  • و أنا أيضاً سوف أتوب إليك و أرجو أن تقبل توبتي، فلا تنسى أنك أنت الذي فعلتَ بي ذلك.
  • كانت رغبتك و كان إلحاحك الغبيّ.
  • لكنّك تعلم أكثر مني، و أنا مهما فعلت لن أفعل إلا ما تأمرني به و تريده لي؛ أليسَت مقاديري في يدك أني مُصير لك و لست مخيّراً، فأنتَ ربي وإلهي.

وقعَت كلماته الأخيرة في أذنيَّ كأنها قنابل عنقودية أخذت تتفجّر داخلي حتى حوّلتني إلى شظايا متناثرة لا تصلح لتشكيل إنسان مرَّة أخرى…

لا أعرف لماذا بعد أن طلبتُ منه أن يشربَ جرعةً أخرى من زجاجة البيرة المركونة أمامه شعرتُ بالذنب؟! فما كان يجب عَليَّ أن أطاوعه في رغباته الجامحة و كان عَليَّ أن أوجهه و أقوّمه و أعود به إلى الطريق القويم بعد أن شطَّ عنه…

و حاولتُ أن أكفِّر عن خطيئتي العظيمة هذه.

قفزَتْ إلى ذهني فجأةً فكرة أن أزوّجه و أجعله يعيش في الحلال بدلاً من حياة الليل التي أدمنها هذه، و بالفعل في أقرب فكرة قصّة ألحّت عَليَّ جعلته فيها يتقرّب من إحدى الفتيات الجميلات التي أحبّته كثيراً و تمنّت أن يكون فارسها المغوار زوج المستقبل لكنّي لم أعرف حقيقة مشاعره ناحيتها؟! و لم أرد أن أعير هذا الشأن اهتماماً و قلت أن حاله سوف (ينصلح) بعد الزواج فعجّلت بإتمام مراسم الزفاف حتّى تهدأ ثورة شهوته التي أشعلت جسده كله في إطار شرعي حلله الله و يهدأ أيضاً وخز ضميري الحامي الذي كان يؤنبني باستمرار لأني أورده هذا المورد من التهلكة و الضياع في الدنيا و الآخرة…

أثِرتُ بعد ذلك أن أبتعد عنه حتى ينعم بحياته الجديدة و لكني كنت بين فترة و أخرى أطل عليه من كوّة وجودي المطلّة عليه حتى أطمئن على سعادته و راحته، و ظللتُ بعيداً عنه حتى أنني لم أشاركه احتفاله الخاص عندما أنجبَ ابنته الجميلة “مريم” حتّى لا أعكّر صفوَ حياته التي أتمنى أن يحياها في أمنٍ و سلام؟ لكنّي لا أعرف لماذا تبدّلت خصاله و أصبحت سيئّةً جدّاً؟ فكان فظّاً و قاسياً مع زوجته، و في كل مرّةٍ كانت تأتيني تشكو منه و من سوءِ معاملته لها كنتُ ألقي بالمسئولية عليها و أنها يجب أن تفهمه و تحتمل من أجل حبها حتى لا ينهار فوق رأسها…

لم تكن تعلم موقفي القديم من النساء و لكنها كانت تتعجّب كثيراً حينما ترى أنه بيدي خلاصها مما هي فيه و جعلها تنعم معه بحياة هادئة تربو إليها و تتمناها و لكني لا أفعل…

اِمتلأ خزَّان وجدانها بالكثير من الإهانات و الإساءات عن آخره حتى فاض و لم يعد في قلبها أدنى حب له و قرَّرت الهروب حيث وجدت جثتها هي و ابنتها الجميلة “مريم” عائمة فوق صفحة النيل أمام مبنى الإذاعة و التلفزيون.

شربَ جرعةً جديدةً من زجاجة البيرة المركونة أمامه…

حدجني بنظرةٍ قاسيةٍ:

  • أريد أن أحب و أريد أن أكون محبوباً، لماذا تضعني دائماً في موقف المهزوم و لا تكمل لي قصة؟ فمَن أحبها… لماذا تفعل معي ذلك؟ حتى من زَوّجتني إيّاها لم أشعر معها بطعم الحب و السّعادة حتَّى رحلَت هي و ابنتها و كل ما تغرقني فيه من مشاعر و أحاسيس زيفٌ في زيف… لماذا كلّ هذا؟

بعد هذه الجملة الحوارية الطويلة و التي لا أستطيع أن اكتبها في أيّ قصّة من قصصي؛ حتى لا يهاجمني النقاد الذين كثيراً ما هاجموني أو يَمَلَّ مني القرّاء و نادراً ما حدث منهم هذا، قلتُ له:

  • و ماذا تريد منّي الآن؟
  • لقد وقعت أنت على صيدٍ ثمين أجعله لي.
  • أتسمّيه صيّداً؟
  • أنها أنثى بارعة الجمال و ملفوفة القوام و…..
  • هل هذا كل ما يعجبك في الأنثى جمالها و قوامها؟
  • لا…….
  • و ماذا يعجبك أيضاً؟
  • طموحها و أخلاقها و تديّنها و فوق كل هذا قلب أبيض كبير يحتويني.
  • ما كل هذه الرومانسية و هذا الإحساس المرهف! هل أترك لك القلم و أجلس أنا في بيتنا؟
  • العفو لم أقصد ذلك.
  • هل فكّرت مرَّةً أن نبدل أدوارنا بمعنى أن تكون أنت المؤلّف و أكون أنا البطل؟
  • و لما أفكر في ذلك و أنا راضٍ عن نفسي تماماً فأنا بطلك المفضّل و أنت تعطيني كل شيء، كل شيء… فلماذا التعب و الإرهاق و الدخول في دوّامات الأفكار التي لا تنتهي؟
  • أتعجّب كثيراً من تلك الحكمة الرائعة التي هبطت عليك فجأةً… و من هذه الفتاة التي أشعلت جذوةَ الحب في قلبك؟
  • أنا لم أقل لك أنني أحبّها.
  • لا تغضب يا سيّدي… مَن هي هذه الفتاة التي حرّكت مشاعرك بهذا الشكل؟
  • أنت تعرفها جيّداً… ألم أقل لك أنك وقعتَ على صيدٍ ثمين؟
  • مَن؟

قبلَ أن يجيب شرب جرعةً أخرى من زجاجة البيرة التي قاربت على الانتهاء ثمَّ قـال:

  • إنها زميلتك في العمل.

باستعجالٍ و تلهّفٍ:

  • مَن تقصد تحديداً؟ قل بسرعة.
  • رانيا.

أفلتت الكلمة مني رغماً عني:

  • يا ابن الكلاب.
  • الله يسامحك.
  • ماذا تقول؟
  • ما سمعته هو الذي قلته.
  • سوف أعتبر نفسي أنني لم أسمع شيئاً.
  • لكنك سمعت و غضبت مني لأجلها.
  • إنها مخطوبة و سوف تتزوّج قريباً، هل تريد أن أهدم حياتها من أجلك و من أجل نزواتك المرضيّة هذه؟
  • إنها لا تحب خطيبها.
  • أنا أعلم منك بها، فعلى الرغم من أنها لا تحب خطيبها لكنها رتَّبت نفسها على الحياة معه و سوف تواصل معه رحلة عمرها بحلوها و مرّها.
  • طالما أنَّ الأمر هكذا، لماذا كنتَ تحكي لي عنها بأنها تعيش في جحيم من جرّاء تجاربها العاطفية الكثيرة و الفاشلة أيضاً؟! و كنتَ دائماً تقول لي أنه من المستحيل أن تعيش مع خطيبها هذا الذي لا تحبه و تعود الآن تقول لي أنها رتبت نفسها على الحياة معه.
  • هكذا ببساطة تفشي السر و لا تستطيع أن تحتفظ به حتى لنفسك؟! إيّاك أن تكون قد تحدَّثت مع أي أحد بشأنها و بشأن حكايتها.
  • لا.
  • سوف تجعلني أعود إلى قراري القديم و أقتلك و أرتاح منك و من سماجتك التي زادت عن حدها كثيراً أو أضعَف الإيمان أتبرأ منك و أودعك أحد الملاجئ.
  • لماذا كل هذه الثورة؟! هَدّأ من روعك… هل تحبها؟
  • أحب… أحب ماذا؟ و أحب مَن؟
  • تحبها هي، لقد لاحظتُ في إحدى مرات جلوسك معها بريقَ الحب يلمعُ في عينيك.
  • هذا وهمٌ و لكي أؤكد لك أن ذلك الإحساس إحساساً واهماً سوف أجعلك تجلس معها بمفردك لكنّي لا أعدك بأنني سوف أجعلها تحبك فهي ليست من أبطال قصصي كما أنها خارج حدود طاقتي الإبداعية.
  • اِفعل ذلك و اترك الباقي عَليَّ.

أخرجتُ من حقيبتي ورقةً و قلماً و شردتُ قليلاً حتى عثرتُ على فكرة الموقف الذي من الممكن أن يكوناً معاً فيه دون أن يشك أحد من حولهما في طبيعة العلاقة بينهما حتى لا تحرج هي من زملائها في المدرسة، و عندما شرعتُ في كتابة الموقف كان هو (بطلي) اِنتهى من إيداع آخر قطرة من زجاجة البيرة في فمه الواسع، اِكتشفتُ وقتها أنني انتهيتُ لتويَ من كتابة قصّتي الجديدة.

شارك هذا الموضوع:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »
Scroll to Top
Skip to content